كان المسجد هو النادي الثقافي الأول في حياة المسلمين حقيقةً كان مدرسة رائعة وجامعة متعمقة وكان بجانب ذلك ناديًا ثقافيًا يتلقى فيه عموم المسلمين دروسهم الأولى فاتسعت مداركهم وغزرت معلوماتهم وصاروا قاعدة عريضة فاهمة واعية مدركة بجانب القمم العلمية المتخصصة في علوم الدين والدنيا .
كان المسجد مجمع المسلمين الذي يهيئ لكل امرئ منهم سبيلًا إلى تلقي ثقافة الإسلام العامة، كما كان معقد حلقات التعليم لطالب العلم في مرحلته الأساسية وفي دراساته العالية، فقد اشتمل جامع القيروان مثلًا على جناحين للتعليم أحدهما للرجال والآخر للنساء وازدهرت مؤسسات التعليم ونشاط البحث العلمي في مختلف المجالات في رحاب المسجد بعد أن أطلق هذا الدين طاقة الإنسان وقدراته العقلية ينميها الإيمان ويزكيها ويرشدها، وكان في كبار المساجد الجامعة مكتبات يوقف العلماء كتبهم عليها كما كان الخلفاء المسلمين وحكامهم يفاخرون بجمع الكتب . وقد روى المؤرخون عن مكتبات في معظم المساجد والجوامع والمدارس ودار الحكمة ودور العلم لتكون مرجعًا للطلبة والعلماء والنساخ وهذا خير دليل على تقدير المسلمين للكتب وإعجابهم بها واهتمامهم بالمكتبات وإقبالهم عليها وعلى تكوينها، بل وتسابق الخلفاء والأمراء على شراء الكتب ووقفها على طلاب العلم فقد أقام القاضي ابن حيان في نيسابور بجوار المسجد دارًا للعلم وخزانة للكتب ومساكن للغرباء من طلاب العلم وأجرى عليهم الأرزاق وعين لهم جميع ما يحتاجون إليه .
وتنقل الروايات حرص المسلمين الشديد على طلب العلم في المساجد بحيث إنهم كانوا يجلسون في حلقات ضم بعضها آلاف الطلاب وكان أبو الدرداء من أوائل من عقدوا هذه الحلقات بالشام وقد بلغ عدد تلاميذه ألفًا وستمائة ونيفًا .
وتأسيسًا على ما سبق يمكننا أن نتخيل أو نتصور مكتبات المساجد وقد امتلأت رفوفها بالكتب والمخطوطات والمصورات من كل لغة ومن كل لون ومن كل بلد، كما يمكننا أن نتصور حال المساجد وهي تعج بآلاف المسلمين من طلاب العلم ما بين جالس في حلقة يستمع لأستاذ أو يسأل، أو منكب على كتاب يقرؤه، أو باحث ينقب في مخطوطة يحاول فهم ما بها، أليست هذه الصورة نادرة ورائعة لمجتمع بلغ أوج الازدهار في النهضة العلمية بفضل شرارة الدين التي أوقدت هذه الشجرة المباركة ؟ فسطعت مصابيح العلم فروعها زاهية باهية رائعة .