الأثر التربوي للمسجد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه أجمعين . أما بعد :
فالمساجد بيوت الله، فيها يعبد وفيها يذكر اسمه، وزواره فيها عُمَّارُها، وهى خير بقاع الله في الأرض ومنارات الهدى وأعلام الدين، فكما أنها مجالس للذكر، ومحراب للعبادة، فهي منارات لتعليم العلم ومعرفة قواعد الشرع بل هي أول المؤسسات التي انطلق منها شعاع العلم والمعرفة في الإسلام!! وفي فضلها وعظم منزلتها وردت نصوص كثيرة منها : قوله تعالى : وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا فالله سبحانه وتعالى- وهو مالك كل شيء- نسب المساجد إليه وشرَّفها وعظمها بإضافتها إليه، فليست هي لأحد سواه، كما أن العبادة التي كلَّف الله عباده إياها لا يجوز أن تُصرف لسواه .
ومنها ما رواه مسلم في صحيحه : عن أبي هريرة رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده .
ومما يدل على مكانة المساجد عند الله أن عُمَّارها ماديا ومعنويا هم صفوة خلقه من الأنبياء والمرسلين، وأتباعهم من عباده المؤمنين، قال تعالى : وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
وقال تعالى في عُمّار سائر المساجد : إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ .
ووعد سبحانه وتعالى من بنى له بيتا في الأرض- أي بنى مسجدا لله تعالى- أن يبنى له بيتا في الجنة كما في حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه، قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : من بنى لله مسجدا بنى الله له كهيئته في الجنة .
وإذا أريد من المسجد أن يقوم بوظائفه فليُمكن من ذلك ولتعاونه المؤسسات الأخرى، وعندئذ سيصبغ حياة مجتمعه بالصبغة الإسلامية التي صبغ بها مجتمعه الأول في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، والجيل الأول من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم والعصور الزاهية للإسلام .
على أنه ينبغي أن تكون هذه المؤسسات متعاضدة مع المسجد في مجال التوجيه والتثقيف ويكون عملها متكاملا منسجما بحيث تكون النتيجة هي المسلم الصالح .
إن دور المسجد في الواقع جزء متكامل مع أدوار المؤسسات الأخرى في المجتمع، فتنطلق منه لتمارس أنشطتها من خلاله مغزولة ومتداخلة في النسيج الذي يكون حياة المجتمع .
وقد استمرت المساجد تؤدي هذا الدور العظيم قرونًا طويلة من الزمن، حتى أصبحت الأمة الإسلامية اليوم في مرحلة الغثائية الهزيلة الطافية من الداخل، وتكالب قوى الشر والطغيان والغزو عليها من الخارج، ضعف دور المسجد وانحسر مدة ونضب نبعه أو كاد في كثير من بلدان الإسلام!! وذلك على حين غفلة من بعض المسلمين، وسذاجة بعضهم، وسوء نية بعضهم الآخر . وفي ظل هذه الأوضاع المتردية وفي خضم تلك المؤامرات الهادفة إلى إقصاء المسجد عن رسالته ووظيفته في المجتمع، ما فتئت روح الإسلام تدب في كل عرق من عروق العالم الإسلامي دبيبًا طبيعيًا هادئًا، فتدفعه إلى الإسلام دفعًا متواصلًا، ونتيجة لهذه اليقظة الواعية والصحوة المباركة بدأت المساجد تستعيد دورها الرائد في المجتمع المسلم : توجيهًا وتعليمًا وتربية وخلايا حية تنبض بالحركة والعطاء لتؤدي دورها وتقوم بواجبها موجهة المؤسسات الأخرى كالبيت والمدرسة والمعسكر والنادي .. إلخ، متعاونة معًا في ميدان التوعية والتوجيه .
وهذه المحاضرة توضح أثرًا من آثار المسجد المباركة وهي بعنوان "الأثر التربوي للمسجد " وهو جهد متواضع أعددته إدراكًا مني لهذا الدور النبيل للمسجد ومساهمة مع وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في مناسبة عزيزة علينا وهي مرور مائة عام على تأسيس المملكة سائلين الله تعالى أن يسدد الخطا ويعين على الدرب إنه سميع مجيب .