المسجد هو أول المؤسسات التي انطلق منها شعاع العلم والمعرفة في الإسلام، وهو يحمل خاصية أساسية بالنسبة للمجتمع المسلم، وهو مصدر الانطلاقة الأولى لدعوة الإسلام ونبع الهداية الربانية، فعلى سمائه ترتفع الدعوة إلى الإيمان والعمل الصالح، وعلى منبره يعلّم الإيمان والعمل الصالح، وعلى أرضه الطاهرة يؤدي العمل الصالح، وهو المرتكز الذي تدور حوله قاعدة الجهاد الكبرى، والمحور الذي تلتف حوله الأفكار والعواطف، والمحضن الذي يربي الصفوة والرواد الذين يحملون مشاعل النور والهداية ويطوفون البلاد يحملون صفة المسجد ورائحته وطهره .
وقد ظل المسجد على امتداد تاريخ المسلمين مؤسسة تعليمية للصغار والكبار، وأول الأمكنة التي تحقق الأهداف العملية لتربية الناس بعامة والناشئة والشباب بخاصة، وكان الرجال الأوائل الذين حملوا اللواء ولبوا النداء إلى المجد هم أشبال المسجد وعمار بيوت الله تعالى، وكان العلماء والفقهاء والبلغاء والنبلاء من أفضل خريجيها .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمة الله- : " وكانت المساجد مجامع الأمة ومواضع الأئمة . وقد أسس صلى الله عليه وسلم مسجده المبارك على التقوى، فكانت فيه الصلاة والقراءة والذكر وتعليم العلم والخطب، وفيه السياسة وعقد الألوية والرايات وتأمير الأمراء وتعريف العرفاء، وفيه يجتمع المسلمون كلما حزبهم أمر من أمر دينهم ودنياهم " .
نعم إن مكانة المسجد في المجتمع الإسلامي تجعله مصدر التوجيه الروحي والمادي، فهو ساحة للعبادة ومدرسة للعلم وندوة للأدب، وهو- أيضًا- بوتقة تنصهر فيها النفوس وتتجرد من علائق الدنيا وفوارق الرتب والمناصب وحواجز الكبر والأنانية وسكرة الشهوات والأهواء ثم تتلاقى في ساحة العبودية الصادقة لله عز وجل