تعريف :
الخطبة : بضم الخاء كلام منثور مسجوع ومرسل ، أو مزدوج بينهما ، غايته التأثير والإقناع .
ويقصد بها هنا الخطب التي تلقى على المنابر يوم الجمعة ، بقصد حمل الناس على الخير ، وترغيبهم فيه ، وصرفهم عن الشر ودواعيه ، وتبصيرهم بأحوالهم وواقع أمرهم حسب ما يقتضيه أمر الشرع .
والخطبة من جانب الخطيب مقدرة على التصرف في فنون الكلم ، مرماها التأثير في نفس السامع ومخاطبة وجدانه .
أغراضها :
الدعوة إلى الصلاح والإصلاح ، والاستمساك بأمور الشريعة ، وإقامة الحق العدل ، ونشر الفضائل ، وتسكين الفتن ، وفض المشكلات ، وتهدئة النفوس الثائرة ، وإثارة النفوس الفاترة ، ترفع الحق ، وتخفض الباطل ، هي صوت المظلومين ، وواعظ الظالمين ، ولسان الهداية ، ولقد نادى موسى عليه السلام ربه قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي فجاءه الجواب الرباني : قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى
والغرض هنا الإشارات إلى مجمل الأغراض ، وسوف يزداد الأمر بيانا من خلال الحديث عن أنواع الخطب وخصائص الخطب المنبرية .
والفقرة التالية في أثر الخطبة تعطي مزيد بسط في المقصود .
أثرها :
لا يكاد ينجح صاحب فكرة ، أو ينتصر ذو حق ، أو يفوز داعية إصلاح ، إلا بالكلمة البليغة ، والحجة الظاهرة ، والخطبة الباهرة .
الخطيب المفوه يلحق بحجته ، ويسبق إلى غايته ، فيعلو سلطانه ، ويتسع ميدانه .
ولهذا فإن القائد المحنك في الجيش يتميز فيما يتميز بذرابة لسانه وحسن خطابه ، فيكون خطيبا مصقعا ولسنا مفوها ، ولا يذكر حين يذكر إلا منذر الجيش نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، ومن بعده خطباء أصحابه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ، ثم من بعدهم من صالح سلف الأمة وأئمتها من علوا المنابر فأصغت لهم الآذان ودانت لهم الرقاب .
ولئن كانت الخطبة في بعض مساريها أو مساراتها طريقا للمجد الشخصي ، فإنها في نبل غايتها وعظيم أثرها طريق للنفع العام والإصلاح الشامل .
والخطابة مظهر حضاري للمجتمع الراقي المستنير ، يعلو قدرها ، ويروج سوقها برقي المجتمع ، وانتشار الثقافة فيه ، كما أنها تخبو حين ضعفه وذلته .
وثمت جانب في التأثير آخر ينبغي مراعاته ، وهو أن تأثير الخطيب في سامعيه ليس بالإلزام أو الإفحام ، بل مرده إلى إثارة العاطفة ، وحمله على الإذعان والتسليم ، ولا يكون ذلك بالدلائل المنطقية تساق جافة ، ولا بالبراهين العقلية تقدم عارية ، ولكنه بإثارة العاطفة ومخاطبة الوجدان .
ومن هذا فإن الخطيب فد يستغني عن الدلائل العقلية ولكنه لا يمكن أن يستغني عن المثيرات العاطفية ، ولعلك تدرك أن أكثر ما يعتمد عليه الخطيب في حمل السامعين على المراد مخاطبة وجدانهم والتأثير في عواطفهم .
إن الخطيب المرموق -كما هو معلوم- يأخذ سامعيه باستدراجه اللبق وكلماته الساحرة وصوته العذب المتردد انخفاضا وارتفاعا وإثارة وهدوءا ينشيء جوا عاطفيا مشحونا ، وهذا معين في التأثير لا ينضب ولا يمل .
أما البراهين العقلية فجافة تجلب السآمة .
وحينما يذكر خطاب العاطفة وأثرها فلا يخطر بالبال أن ذلك يعني دغدغة العواطف بالكذب والتزييف ، ومخالفة الأقوال للأفعال فهذا حبله فصير بل ضعيف واه وهذا ما سيبدو موضحا في صفات الخطيب إن شاء الله .