الوقف في الإسلام صدقة جارية والنفع العام للمسلمين إلى جهة من جهات البر والخير والنفع وأهمية التعليم فأبدعوا نظام الوقف التعليمي في الحضارة الإسلامية.
وعندما قامت الدولة الأيوبية في مصر بدأ الوقف يؤدي دورا إيجابياً في تعليم الناس، وإعدادهم للجهاد الإسلامي ضد الصليبين ونشر عقيدة أهل السنة والجماعة، ولذلك كانت حصيلة معظم أوقافهم موجهة للنفقة على المدارس، وفك أسرى المسلمين من أيدي الفرنج (1).
وقد انشأ صلاح الدين عدة مدارس بمصر منها المدرسة الناصرية للشافعية (2) وأوقف عليها حي الصاغة وإحدى القرى ثم أنشأ المدرسة القمحية للمالكية وأوقف عليها قيسارية الوراقية وقريتي الحنبوشية والأعلام بإقليم الفيوم، ثم المدارس السيوفية للحنيفية وأوقف عليها أثنين وثلاثين حانوتاً بخط سويقة أمير الجيوش وباب الفتوح وحارة برجوان (3).
وكان من الطبيعي أن يحذو المعاصرون لصلاح الدين ورجال دولته وأفراد أستره حذوه في الأوقاف وأن يستلهموا مصاريف أوقافهم من ظروف العصر الذي يعيشون فيه والتي تمثلت في الجهاد ضد الصليبين وإنشاء المدارس(1) .
وأنشأ الملك المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه مدرسة منازل العز وأوقفها على طلاب الشافعية، وأوقف عليها حمام الذهب وفندق النخلة وجزيرة الروضة كما أنشأ مدرستي أحداهما للشافعية والأخرى للمالكية في الفيوم.
وأنشأ الأمير قطب الدين خسروا أحد أمراء السلطان صلاح الدين المدرسة القطبية سنة 570هـ وأوقفها على فقهاء الشافعية(3).
وكان العصر المملوكي في مصر العصر الذهبي لنظام الوقف التعليمي، ولم ينته عصر سلاطين ا لمماليك في مصر إلا وكان مساحة كبيرة أراضها أوقفاً، وكذلك كان غالبية مباني القاهرة والفسطاط وقفاً(1).
الأوقاف ورعاية الأيتام :
كما نعلم فإن الكتاب أو الكتاتيب كانت المرحلة الأولى للتعليم في العصور الإسلامية وكانت هناك المكاتب التي ينشئها معلمو الصبيان لتعليم الأولاد فيها مقابل أجر، كما كانت هناك مكاتب الوقف(مكاتب السبيل) التي ينشأها أهل الخير من المسلمين لتعليم الأيتام وأولاد الفقراء، والصرف على هؤلاء الأيتام ومؤدبيهم وعريفيهم، وهذا النوع من الكتاتيب هو الذي أرتبط بنظام الوقف التعليمي في الإسلام .
وكان صلاح الدين الأيوبي رحمه الله أول من أوقف الأوقاف في العصر الأيوبي من أجل الأطفال الفقراء والأيتام، فأوقف قرية نستروا ، كما أوقف صلاح الدين قطعة أرض على صبي صغير وجد فيه نبوغاً وتميزاً(4) .
وأنشأ القاضي الفاضل مكتباً لتعيلم الأيتام بجوار مدرسته سنة 580هـ كما أنشأ الملك الكامل كتّاب سبيل إلى جوار رباطه (3).
وانشأ الظاهر بيبرس مكتب سبيل بجوار مدرسته، وقرر لمن فيه من الأيتام الخبز كل يوم، والكسوة في فصلي الشتاء والصيف (3) .
ومن دراسة ا لوثائق الوقفية للعصر المملوكي يتضح لنا أن العادة جرت ببناء مكتب لتعليم الأيتام بجوار المدرس أو المدرسة كما قال المقريزي في المواعظ والاعتبار، مثال ذلك ما جاء في وثيقة وقف جوهر الالا بإنشاء مكتب علو السبيل وما جاء بوثيقة وقف السلطان قايتباي بمكتب السبيل بالجامع الذي بالصحراء علو سبيل الماء.
نشر العلم واجب :
لقد علم المسلمون أن نشر العلم النافع واجب على كل قادر من المعلمين والأغنياء والأمراء والسلاطين والتجار ورجال الأعمال، ومن هنا أنتشرت الأوقاف التعلمية وبنى المسلمون حضارة علمية زاهرة ستظل طوال الأيام شاهدة على إخلاص هؤلاء وعلميتهم، فأين نحن الآن من هذا السلوك العلمي الأصيل في نشر العلم وتعليم المتعلمين العلم النافع، لقد شوه أعداء الإسلام صورة هؤلاء العظام وأتهموهم بما ليس فيهم ليصبح التاريخ الإسلامي في نظر الأجيال خيانة ونساء وسكر وعهر وقتل وتقاتل، وكل الوثائق الصحيحة والعلمية والمعتبرة تكذب هذا السيل من الافتراءات على عظماء المسلمين والحياة العلمية في الحضارة الإسلامية خير شاهد على علمية هؤلاء وإخلاصهم وللحديث بقية بإذن الله
الجمعة يوليو 03, 2009 3:54 pm