الآية 151 من سورة الأنعام من الآيات القرآنية الشاملة الداعية إلى: التوحيد، وبر الوالدين، والحفاظ على النسل، والبعد عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وهذا المقطع من الآية من الكلمات الكافيات في الآية وهذا ما سنقف على بعض شمولها في السطور التالية بإذن الله :
معنى الفواحش:
قال الراغب الأصفهاني رحمه الله في كتابه القيم مفردات ألفاظ القرآن الكريم: الفحش والفحشاء والفاحشة ما عظم قبحه من الأفعال والأقوال وقال (إن الله لا يأمر بالفحشاء ) الأعراف : 28، (وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي لعلكم تذكرون ) النحل 29، وفحش فلان: صار فاحشاً والمتفحش الذي يأتي بالفحش أ. هـ.
تفسير السعدي للآية :
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي في تفسير الكري الرحمن في تفسير كلام المنان: ولا تقربوا الفواحش : هي الذنوب العظام المستفحشة، (وما ظهر منها وما بطن ) : أي لا تقربوا الظاهر منها والخفي أوالمتعلق منها بالظاهر والمتعلق بالقلب والباطن والنهي عن قربان الفواحش أبلغ من النهي عن مجرد فعلها فإنه يتناول النهي عن مقدماتها ووسائلها الموصلة إليها.
ابن كثير وظاهر الإثم وباطنه :
قال ابن كثير في قوله تعالى ( وذروا ظاهر الإثم وباطنه ) عن مجاهد قال :
معصيته في السر والعلانية، وفي رواية عنه قال : هو ما ينوي مما هو عامل وقال قتادة (وذروا ظاهر الإثم وباطنه ) أي : قليله وكثيره، سره وعلانيته، وقال السري: ظاهره : الزنا مع البغايا من ذوات الرايات، وباطنه : الزنا مع الخليلة والصدائق والأخدان، وقال عكرمة : ظاهره نكاح ذوات المحارم.
والصحيح إن الآية عامة في ذلك كله وهي كقوله تعالى (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن ) ولهذا قال تعالى : (إن الذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون ) ، أي : سواء كان ظاهراً أو خفياً، فإن الله سيجزيهم عليه ثم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس .
وقال في تفسير (ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ) كقوله تعالى (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر وما بطن، والإثم والبغي بغير الحق وقال: وفي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا أحد أغير من الله، لأجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن.
وقال سعد بن عبادة : لو رأيت مع امرأتي رجلاً لضربته بالسيف غير مصفح فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أتعجبون من غيرة سعد؟! فو الله لأنا أغير من سعد، والله أغير مني، من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن.
آيات أخرى تنهى عن الفواحش:
الشيطان هو الذي يأمر بالفحشاء قال تعالى (إنما يأمركم بالسواء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ) البقرة : 169وقال : الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء )(البقرة : 268).
والصلاة تنهى عن الفحشاء قال تعالى : (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ولذكر الله أكبر ) العنكبوت :45.
والله سبحانه وتعالى ينهى عن الفحشاء قال تعالى (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإتاء ذى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ) النحل : 90.
ومن صفات المؤمنين تجنب الفواحش قال تعالى : (والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش) الشورى : 37، وقال : (الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم) النجم : 32.
وفعل الفاحشة من صفات الشاذين والزناة قال تعالى لقوم لوط (اتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين ) الأعراف: 80.
وقال تعالى (ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا)الإسراء:32.
عقوبة من يحبون أن تشيع الفاحشة :
قال تعالى في عقوبة الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا سواء بالفعل أوالترويج أو التسهيل أو الفتوى أو بفتح أبوابها والدعوة إليها (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون ) النور 19.
نتائج تطبيق الآية في المجتمع المسلم :
لو طبقنا الآية الكريمة (ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ) فسوف تستقيم أحوال الأفراد وأحوال الأمة .
فسوف يبتعد المسلمون عن الفحش الظاهري من الأفعال الجسدية المريبة، وما يؤدي إلى الفحش من العري والسلوك والقول.
ولحظتها يستقيم المسلم ظاهريا على شرع الله ونجده حيث أمره الله في أماكن العمل والاستقامة والانتاج والتربية ونفتقده حيث نماه الله من أماكن المجون واللهو والعبث والفوضى ويبتعد المسلم عن الكذب والسخرية واحتقار العيار والسكر ولعب الميسر ولا يتلف المال العام.
وسوف يبتعد المسلمون عن الفحش الباطني من الحقد والحسد، وسوء الظن، وأضمار الشر للناس وسيتحلى المسلم بالصدق والصبر والشجاعة والحلم والأناة والرحمة والعفو والطمئنية .
وستطمئن نفوس الناس، ويرضوا بقضاء الله، وبقسمته الرزق على عباده وستختفي من حياة المسلمين ومن مجتمعاتهم الكثير من الأمراض الشخصية والأجتماعية والسياسية والاقتصادية والتربوية التي أصبحتت من سماتنا لبعدنا عن تطبيق هذه الآية الكريمة (ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ) الأنعام 151.