للعقرب (Scorpion) Buthus quinquestriatusمآس كثيرة، فكم لدغ أناساً وكم تسبب في وفيات ولذلك حفظه التراث في كتاب عجائبه وتحدث الرسول صلى الله عليه وسلم عن علاج سمه بالملح.
ونطالع ـ اليوم ـ ملف العقرب في المخطوطات العربية وافسلامية لتعرف كيف اتقى العرب سمه قديماً.
الهوام والحشرات من المخلوقات التي لا يمكن ضبط أصنافها لكثرتها قال بعض المفسرين: من أراد أن يعرف تحقيق قوله تعالى: )ويخلق ما لا تعلمون (. فليوقد ناراً في وسط غيضة بالليلة وينظر ما يغشى تلك النار من الحشرات فإنه يرى صوراً عجيبة وأشكالاً غريبة لم يكن يظن أن الله تعالى خلق شيئاً من ذلك.
على أن الخلق الذي يغشى ناره مختلف باختلاف مواضع الغياض والجبال والسهول والبراري فإن في كل بقعة من هذه البقاع ألواناً مختلفة من المخلوقات عما في البقعة الخرى.
التوازن البيئي:
وقال القزويني: ومن الناس من يقول: أي: فائدة من الهوام مع كثرة ضررها؟ ولم يدر أن الله تعالى يراعي المصالح الكلية، كإرسال المطر فإن فيه مصالح البلاد والعباد وإن كان فيه خراب بيت العجوز، فهكذا خلق الله هذه الحشرات في المواد الفاسدة والعفونات الكامنة لتصفو لحومها، ولا يعرض لها من الفساد الذي هو سبب الوباء وهلاك الحيوان والنبات وإن كان يتضمن لسع الذباب والبق، والذي يحقق ذلك أننا نرى الذباب والديدان والخنافس في دكان القصاب ( أي: الجزار ) والدباس ( أي: بائع الدبس والعسل ) أكثر مما نرى في دكان البرار والحداد.
وهذا الكلام يؤكد علم القزويني بعلم الاتزان البيئي حيث يرى أن في خلق الهوام والحشرات من المصالح البيئية الكلية ما قد يغيب عن علم معظم الناس.
وقد فرق القزويني بين الحشرات وباقي الهوام وفي هذا سبق علمي عظيم فكثير من المتعلمين حتى اليوم يخلط بين الحشرات وباقي الهوام وخاصة العقربيات والعناكب.
القزويني والعقرب:
قال القزويني: العقرب من أخبث الهوام , يلدغ كل شيء يلقاه , عينها على بطنها , وولدها يخرج من ظهرها، فإذا ولدت ماتت، وإذا لسعت هربت ولا تقف. وإذا خرجت من بيتها أول الليل كان لها نشاط فإن أول شيء لقيته ضربته.
قال بعضهم: لقيت العقرب قُمقماً فضربته بابرتها فسال منه الماء.
العقرب والحية:
قال القزويني: العقرب إذا لقيت الحية لدغتها فتسعى الحية في طلبها فإذا وجدتها أكلتها (حتى) تبرأ وأن لم تجدها تموت الحية.
الدميري والعقرب:
قال الدميري في حياة الحيوان الكبرى: العقرب دويبة من الهوام تكون للذكر والأنثى، واحدة العقارب، وقد يقال للأنثى عقربة وعقرباء , ويصغر على عقيرب، والذكر عقربان، وهو دابة لها أرجل طوال قال الشاعر:
كل مرعى أمكم إذا غدت عقربة يكومها عقربان
ويكومها: أي: ينزو عليها.
وقال: يقال مكان مُعقرب ذو عقارب , وكنيتها أم عريط، وأم ساهرة، ومنها السود والخضر والصفر وهن قواتل وأشدها بلاء الخضر.
والعقرب أشد ما تكون إذا كانت حاملاً ولها ثماني أرجل وعيناها في ظهرها، ومن شأنها أنها إذا لسعت الإنسان فرت فرار مُسيء يخشى العقاب.
ومن عجب أمرها: أنها لا تسبح ولا تتحرك إذا ألقيت في الماء سواء كان الماء ساكناً أو جارياً.
وقال ابن قتيبة: ( أبو محمد عبد الله بن قتيبة الدينوري ) المتوفى سنة 276 في عيون الأخبار: ومن طبع العقرب أنك إن لقيتها في ماء غمر بقيت في وسط الماء لا تطفو ولا ترسب، وهي من الحيوان الذي لا يسبح.
العقرب في العلم الحديث:
العقارب كما تذكر كتب علم الحيوان كائنات ليلية تختفي نهاراً في الجحور وبين الأحجار وبين أكوام الأوراق القديمة المكدسة والأحذية القديمة.
وتأخذ في إنتاج السم داخل جسمها بالنهار ثم تخرج من مخابئها وقت الغروب وتأخذ في ممارسة مهامها في اللدغ حتى بعد الفجر. حيث تعاود إنتاج السم لذا فلدغة العقرب تكون خطيرة عند الغروب لاحتوائها على كمية أكبر من السم , أما لدغة الصباح فقليلة السمية حيث يكون مستودع السم تقريباً فارغاً. ولذلك كان من الهدي العلمي الإسلامي الاستعاذة من الليل إذا دخل )ومن شر غاسق إذا وقب (وكذلك تنفيض الفراش قبل النوم عليه فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( ما ندري ما فيه ).
وتعيش العقارب منفردة، ويتجنب كل من الذكر والأنثى الآخر ما عدا وقت التزاوج، وتقطن العقارب البلاد ذات الجو الحار بجميع أنحاء العالم , وتعيش أكبر الأنواع في الغابات الاستوائية ولكن الأكثر سما توجد في الصحارى الحارة.
والعقارب من رتبة العقربيات ( أو العقارب ) من طائفة العنكبوتيات أو العنكبيات من شعبة مفصليات الأرجل أو المفصليات , من اللافقاريات , من المملكة الحيوانية التابعة للكائنات الحية.
والعقرب Buthus quinquestriatusحيوان ولود، تتكون أجنتها داخل ردب خاصة من المبيض، وتقتل الأنثى الذكر عقب السفاد، وتحمل الأم صغارها على ظهرها، ويتغذى العقرب بامتصاص عصارة الفرائس.
سم العقرب:
يوجد نوعان مختلفان من سموم العقارب، النوع الأول له تأثير موضعي وغير مؤذ نسبياً، والنوع الثاني سم الأعصاب ويسبب آثاراً مرضية مميتة يؤدي إلى تشنج عصبي، يبدأ بتنميل موضعي ثم دوخة وشعور بحكة في الأنف والفم والحلق، ثم يثقل اللسان ويصعب الكلام وتتقلص العضلات , ويحدث غثيان وقيء وتبول لا إرادي , وتفشل الدورة التنفسية ويقف القلب وتحدث الوفاة.
إسعاف الملدوغ:
ـ لا يفضل وضع الثلج على مكان لدغ العقرب.
ـ لا يعطي الملدوغ الإسبرين لأنه يؤدي إلى توسيع الأوعية الدموية وانتشار السم.
ـ يفضل عدم مص السم بالفم حتى لا ينتشر السم إلى دم المُسعف.
ـ يربط أعلى مكان اللدغة برباط ضاغط.
ـ يتم تشريط مكان اللدغ بمدية أو شفرة حلاقة حادة جديدة مطهرة ومعقمة بالنار حتى درجة الاحمرار.
ـ يغسل مكان اللدغة بالماء والصابون ويجفف الموضع ويغطى بغبار نظيف.
ـ ينقل الملدوغ سريعاً إلى المستشفى أو أماكن الإسعاف.
ـ ذكر ابن سينا في كتاب القانون في الطب أنه يضمد بالملح مع بذر الكتان للسع العقرب.
ـ وقال ابن القيم في الطب النبوي من زاد المعاد في هدي خير العباد: وفي الملح من القوة المحللة ما يجذب السموم ويحللها.
ـ والثابت علمياً: أن الملح يزيد من الضغط الأسموزي خارج مكان الجرح فيتحرك السم من الداخل إلى الخارج وهذا يقلل من كمية السم في مكان اللدغ.
ـ وذكر ابن القيم في زاد المعاد قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إذ سجد فلدغته عقرب في أصبعه، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ( لعن الله العقرب ما تدع نبياً ولا غيره ). وقال: ثم دعا بإناء فيه ماء وملح فجعل يضع موضع اللدغة في الماء والملح ويقرأ: )قل هو الله أحد (والمعوذتين حتى سكت. أخرجه الترمذي.
ـ وقال ابن القيم: في هذا الحديث العلاج بالدواء المركب من الأمرين الطبيعي ( الماء والملح ) والإلهي ( سورة الإخلاص ) من كمال التوحيد العلمي الاعتقادي والعلاج الطبيعي، وفي الملح نفع لكثير من السموم لا سيما لدغة العقرب.
وقال ابن قتيبة في عيون الأخبار:
وقال ابن ماسويه: المجرب للسع العقرب أن يسقى الزراوند ( نوع من النبات ) المدحرج ويشرب عليه ماء بارد ويمضغ ويوضع على اللسعة.
وقال: أشد ما تكون لسعتها إذا خرج الإنسان من الحمام لتفتح المنافس وسعة المجاري وسخونة البدن.
* * *